الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية وليد الوقيني يتحدّث عن "أخطاء" التـرويكـا وإحـالـة الإرهابيين على الـمحاكم العسكرية وعملية بن قردان ويكشف...

نشر في  30 مارس 2016  (11:13)

رغم استقالته منذ قرابة الشهرين من منصبه كناطق رسمي باسم وزارة الداخلية، فإنّ اسم وليد الوقيني ظل ملازما لعديد الخفايا حول ما يحدث في الوزارة الأكثر حساسية في البلاد وخاصة في ما يتعلق بملف الارهاب، وللغرض حاورته أخبار الجمهورية من أجل محاولة استقراء ما خفي من أسرار على اعتبار أهمية خطته السابقة في هذا السلك، علاوة على خوضنا في مسألة تدخّل القضاء في مثل هذه الملفات على اعتبار أن الوظيفة الأصلية لمحدثنا هي قاض بالأساس..

في البداية لو تفسّر لنا ما خفي من الأسباب التي دفعتك الى الاستقالة من خطة ناطق رسمي باسم وزارة الداخلية؟
أتحفظ عن الإجابة على هذا لأنّ خدمة تونس في اعتقادي ليست مرتبطة بمنصب شخص موجود في دائرة الحكم أو موجود في المجتمع المدني، فتونس بالنسبة لي تحتاج إلى كل أبنائها وتستحق تركيز كل طاقاتهم لخدمتها والحفاظ عليها..
واليوم وفي الوقت الراهن، على الجميع أن يفكروا جديا في مصلحة هذا الوطن العزيز، وأن يساهم كل شخص من موقعه في النهوض به وخدمته..
-  لكن لم كل هذا التحفظ؟
أجدد القول ان من بين أسباب تحفظي عن الجواب تقيّدي قانونيا بواجب التحفّظ، لكن أعتقد أن الوقت المناسب للبوح بتفاصيل الأسباب التي دفعتني للاستقالة سوف يأتي يوما ما.
في المقابل هذا لن يمنعني من البوح بالقول ان فترة التجربة التي قضيتها سابقا بصفتي ناطقا رسميا كانت من أجمل الفترات والتجارب في حياتي، والتي جمعتني خلالها علاقات طيبة مع الجميع سواء كانوا من الأمنيين أو الصحفيين..
والحمد لله أنني كرّست كل ما أملكه من مجهود وطاقة من أجل خدمة هذا السلك الأمني بكل مكوناته، وكذلك السلك الإعلامي بكل حيادية وموضوعية مطلقتين.. ونحن مازلنا مستمرين في خدمة تونس مهما اختلفت المواقع..
- كثر الحديث مؤخرا عن جوازات سفر تم منحها لعناصر إرهابية مصنفة خطيرة من بينها نور الدين شوشان، وهو ما يطرح سؤالا حول كيفية حصول ذلك ، ومن الذي سهل الأمر؟
سوف أقسم الإجابة عن هذا السؤال إلى ردّين، أولهما يتعلّق بخصوص التساؤل عن كيفية منح جوازات السفر إلى مثل هذه العناصر التي يشتبه في انتمائها إلى تنظيمات إرهابية، لأؤكد أنه من حق أي مواطن تونسي التمتع بجواز سفر واحد لكن بشرط استكمال جملة من الإجراءات القانونية المحكّمة التي تتخذ في هذا الشأن ومن بينها التثبت في هويات طالبي الجوازات.
أمّا الرد الثاني فهو حول كيفية تمتع هؤلاء العناصر المشتبه في انضمامهم إلى بؤر التوتر بجوازات سفر متعددة في آن واحد، والذي إن ثبت على خطورته الكبيرة -رغم عدم  وجود معلومات رسمية تؤكد هذا الجانب خاصة- فإنّي أتصور أن القضاء وحده هو الكفيل والمخوّل بالإجابة عن كل مثل هذه الأسئلة، وهو الكفيل أيضا للبحث في هذه الخروقات -إن صحّت طبعا- حتى تتمّ بذلك محاسبة كل المسؤولين والمورّطين وحتّى لا تتكرر مجدّدا.
- وإن ثبت هذا الأمر؟
إذا ثبت هذا الأمر فانه سيدعم شبهة اختراق بعض المناصب في فترة معينة، ناهيك عن إعادة طرح التساؤلات حول طبيعة الأسلوب الذي تمّ اعتماده نحو بعض المناظرات التي تهم السلك الأمني..
وفي هذه الحالة وجب تجديد النظر في الأسلوب المعتمد في إجراء المناظرات التي تخصّ مؤسسة حسّاسة، وكان من الواجب على الدوام إعداد بحث كامل حول الشخص الذي سينتمي إليها وكذلك معرفة دقيقة عن مدى التزامه بنواميسها وضوابطها حتى يرتقي إلى مرتبة الانتماء إليها..
فإذا ثبت تساهل بعض أجهزة الدولة في فترة من الفترات عن إجراء هذه الأبحاث الأمنية الواجبة تجاه أشخاص انضمّوا إلى مؤسستها الأمنية، فلابدّ اذن من محاسبة كل المتورطين وصدّ الباب أمام  تكرّر مثل هذه التجاوزات..   
- كيف يقيم وليد الوقيني بصفته مواطنا وقاضيا وناطقا رسميا سابقا للداخلية، السياسة الأمنية للترويكا في ما يخص تعاملها مع هجوم السفارة الأمريكية وفرار الإرهابي أبوعياض وتنمية الخطاب الجهادي آنذاك؟
لا شك في أنّ وضع البلاد خلال فترة حكم الترويكا كان صعبا للغاية باعتبار حالة الانفلات العام التي كانت تشهدها، لكن ما أعيبه على الترويكا عدم تحلّيها بالجرأة الكافية في اتخاذ القرارات التي كان لابد من اتخاذها تجاه تلك الجماعات.
وما أعيبه على الترويكا أيضا، هو مسألة «قصر النظر الاستراتيجي» أمنيا.. والذي يتمثّل في اعتقادها أنه باستطاعتها احتواء هذه الجماعات وإعادتها إلى حاضنة المجتمع، متناسية أن هذا الاحتواء لن يكون ناجعا دون وضع برامج واضحة ودون الاستمرار في السكوت عن أفعالها. وهو ما أدّى للأسف إلى تفاقم الظاهرة الإرهابية في تونس وربما وصولنا الى ما نحن عليه اليوم.
وفي سياق التأكيد على عدم ميلي إلى التحاليل التي تحتوي كيلا من التهم على اعتبار تكويني القانوني، فإني اشدّد على ضرورة تحمّل كل طرف مسؤوليته في هذه المرحلة الدقيقة، وعلى ضوء ذلك وجب البوح والمصارحة بكل الأخطاء التي ارتكبت حتّى يستطيع الجميع التقدم بتونس نحو الأفضل انطلاقا من التقييم الواضح والموضوعي.
- إذن أنت تعتبر أن الترويكا قد أخطأت؟
اعتقد انه كان لديها قصر نظر استراتيجي في ما يتعلق بالجانب الأمني..
- كيف تفسّر انتشار داعش في تونس؟
لا شكّ في أن داعش الموجودة في تونس هي امتداد لداعش الموجودة في العالم، وهي بكل تأكيد انعكاس للتطور الطبيعي لتنظيم القاعدة بعد الحرب العراقية وظهور أبوبكر البغدادي وإقامته لتنظيم داعش، بعد تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين.
ونتيجة لذلك كان من البديهي أن تنقسم العناصر المنتمية لتنظيم القاعدة في كل بقاع العالم الى عناصر متشبثة بانتمائها لهذا التنظيم الكلاسيكي مثلما تجلّى الأمر بالنسبة إلى كتيبة عقبة بن نافع، وعناصر أخرى تخيّر الانضمام إلى تنظيم إرهابي جديد مثل هو الشأن بالنسبة إلى داعش.
كما انّ سلسلة تفكيك الخلايا الإرهابية المرتبطة أساسا بداعش وإيقاف عناصرها في تونس خلال السنة الفارطة وهذه السنة، ناهيك عن كمية الأسلحة المحجوزة من قبل وحداتنا الأمنية في بن قردان وغيرها، تدفعنا إلى التساؤل وطرح نقاط الاستفهام حول ملابسات هذا التطور الملفت لتنامي هذه العناصر الإرهابية التي استطاعت أن تخترق جهاز الدولة في مفهومه الجغرافي والإقليمي بهذه الدرجة وهذه السرعة..
 - وماهو الرابط بين داعش ليبيا وداعش تونس؟
ما كان يخيفني في فترة ما، هو انتشار تنظيم داعش في صبراتة وما يمثله ذلك من خطر على تونس باعتبار قرب صبراتة من الحدود التونسية..
وقد أصدرنا في وزارة الداخلية بلاغات أكّدنا فيها ـ أحيانا ـ أن صبراتة تحتوي على معسكرات تدريب قريبة من الحدود التونسية، والتي هي في حقيقة الأمر قد ساهمت بشكل كبير في العمليات الإرهابية التي حدثت في البلاد من بينها عملية سوسة وعملية حافلة الأمن الرئاسي..
وقد كان معسكر صبراتة معدّا بالأساس لتدريب إرهابيين تونسيين وتسليحهم تخطيطا لتنفيذ عمليات إرهابية في تونس. لكن وبعد ضربه من قبل القوات العسكرية الأمريكية وكذلك إثر مسك السلطات الليبية بزمام الأمور وإلقائها القبض على العديد من العناصر الإرهابية المتورّطة، يمكننا القول أن خطر داعش في صبراتة أصبح تهديده منعدما على تونس..
- وماذا عن دواعش سرت؟
تنظيم داعش المنحصر في سرت والذي قدّر ـ بعض الخبراء ـ عدد مقاتليه بـ20 ألفا، في حين أن هنالك من يقول انّ عددهم يفوق ذلك، إن لم يتم ضرب صفوفه في العمق فإّنه سيمتدّ لا محالة إلى شمال إفريقيا. وسيسعى إلى إقامة حالة من الفوضى خصوصا في ظل حكومة السراج الوفاقية الجديدة في ليبيا التي لم تحظ بمصادقة كاملة من قبل الشعب الليبي..
هذه الحكومة التي بإمكان الغاضبين عليها -لا قدّر الله- خاصة من بين الذين لم يجدوا مصالحهم فيها أن يتجّهوا إلى التحالف مع تنظيم داعش، الذي سيكون بمثابة إعادة لنتائج السيناريو العراقي المتمثل في تحالف داعش مع حزب البعث وما انجرّ عنه من كوارث هدّامة..
- بصفتك قاضيا، ما رأيك في الانتقادات التي طالت بعض القضاة في تعاملهم مع بعض الملفات الإرهابية والجدل الذي أثير تحت تسمية «الأمن يشد والقضاء يسيّب»؟
أرى أنه لابدّ من إقامة علاقة متميزة ومنسجمة ومتكاملة تربط بين الأمن والقضاء، لكن للأسف هنالك من يريد بث الفتنة بين هاتين المؤسستين من اجل إعاقة أعمال أجهزة الدولة..
وفي كل الأحوال لا استطيع القول ان كل أجهزة الدولة منزهة، لكن هنالك آليات للنقد الذي يجدر به أن يكون بنّاء لا هادما وألا يكون فيه تشهير بالأشخاص والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي نحن طرف فيه..
كما انّ هذه المسألة المتعلقة بما يسمى «الأمن يشد والقضاء يسيّب»  تخضع دائما إلى رقابة محكمة التعقيب وكذلك إلى رقابة مجلس نواب الشعب الذي يتوجب أن يقوم بدوره في رأب الصدع بين المؤسسة الأمنية والمؤسسة القضائية.
- هل تعتبر أن من مصلحة تونس تخصيص المحاكم العسكرية في القضايا الإرهابية عوضا عن المحاكم المدنية؟
 أرى انه من المستحسن في حالة الطوارئ، أن تصبح الجرائم الإرهابية من اختصاص المحاكم العسكرية على اعتبار أنّنا في حالة حرب تتطلب إحالة الإرهابيين الذين يستهدفون سلمنا الوطني وأمنيّينا وعسكريينا على المحاكم العسكرية خاصة بعد الهجوم الذي وقع في بن قردان.
وعلى ذكر  عملية بن قردان، تجدر الإشارة إلى أنني أراها روح جميع الملفات الإرهابية في تونس..
- كيف ذلك؟
في بن قردان تم حجز العديد من مخازن الأسلحة المتعددة، وهذه المخازن هنالك من خبأها وهنالك من راقبها بعد تخبئتها، علاوة على مقتل أكثر من 50 إرهابيا، والإطاحة بشبكة من العناصر الداعمة لهم لوجستيا .
وهذا يحيلنا إلى اعتبار انّ «سرة» الملفات الإرهابية هي بن قردان، فإذا توصلنا إلى كشف المتورّطين في ادخال السلاح ومن ساعد في ذلك ومن ساهم في إخراج المقاتلين والجرحى من تونس، وتحت أي إطار وطائلة سوف نستطيع حينها القضاء نهائيا على الإرهاب ودحره من كامل التراب التونسي.
البحث في قضية بن قردان هو البحث في قضية تهم تاريخ تونس ومستقبلها، فإذا نجحنا في الوصول إلى أقصى مدى في الأبحاث في هذه القضية سنتخلص من الإرهاب حتما..
-  في الختام، ماهو رأيك في الجدل الحاصل هذه الأيام حول قضية النقاب؟
في الحقيقة نحن لا نخوض في مسألة لها علاقة بالدين الإسلامي مثلما يريد البعض الترويج له على اعتبار انّ ارتداء النقاب ليس فرضا شرعيا، كما أن التطرّق إلى مسألة النقاب سواء كانت في علاقة مع الإرهاب أو غيرها من المسائل، أراها مسألة تتعلق بالمساس بالمواطنة في حد ذاتها.
فنحن نعيش في دولة مدنية نلتزم بواجبات تجاهها من أهمها أن تكون لنا هوية واضحة ترانا بها الدولة وتعاملنا على أساسها، فإذا كان النقاب يخفي هذه الهوية فهنالك إذن مساس وخلل كبيران بمنطق المواطنة. وعلى هذا الأساس يجب على الجميع أن يراجع أمره، لأن المسالة ليس لها علاقة بالدين الإسلامي بل هنالك أطراف تسعى إلى تسييس مسألة النقاب، التي اعتبر أنها مسألة قانونية ومواطنية صرفة يجب معالجتها.
على هذا الأساس، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يوجد بداخل دولة مدنية شخص يتخفى بهويته ويتجول بيننا..
-  كلمة أخيرة
أريد أن أركز على مسألة هامّة جدا وهي مسألة الوحدة الوطنية بين التونسيين الذين يتوجّب ابتعادهم عن مناخ الصراعات والتجاذبات حتّى وان كان ذلك في إطار المحاسبة.
 ففي نهاية الأمر كلنا مستجدّون في قسم الديمقراطية وهذه الأخيرة لن تكون نافعة للشعب التونسي إن نحن واصلنا على طريق تجاذباتنا الحالية ..
فان تكون في دولة ديمقراطية ليس فقط أن ننعم فيها بالحرية، بل يجب كذلك أن ننعم فيها بالكرامة وبالحق في التشغيل والحق في النفاذ إلى المعلومة وفي الحق بالعيش ضمن دولة مدنية تكفل لنا حقنا في الثروة وتكفل لنا حقنا في العيش الكريم..
إنّ الشعب التونسي لن يكفيه التمتع بالديمقراطية فقط..

حاورته: منارة تليجاني